فصل: (سورة القمر: الآيات 18- 22):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ} الفاء الأولى أن تكون هي الفاء الفصيحة كأنه قال إن علمتم ما حلّ بهم جميعا جزاء وفاقا لعملهم فكيف كان عذابي وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر {كان} المقدم و{كان عذابي} كان واسمها و{نذري} عطف على {عذابي} ولم تثبت الياء في الرسم لأنها من ياءات الزوائد وكذا يقال في المواضع الآتية كلها على أنه قرئ بإثباتها وسيأتي معنى الاستفهام في البلاغة.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} عطف على ما تقدم و{للذكر} متعلقان بيسّرنا والمعنى ولقد هيأناه للذكر من يسر ناقته للسفر ويسر فرسه للغزو إذا أسرجه وألجمه قال:
وقمت إليه باللجام ميسرا ** هنالك يجزيني الذي كنت أصنع

ومعنى البيت: وقمت إليه مهيئا ومعدّا له اللجام أو مسهلا له به دلالة على أنه كان صعبا لولا اللجام وهنالك إشارة إلى مكان الحرب وإلى زمانها ويجزيني أي يعطيني جزاء صنعي معه وشبهه لمن تصح منه المجازاة على طريق الاستعارة المكنية.

.البلاغة:

1- إنابة الصفات مناب الموصوفات: في وقله {وحملناه على ذات ألواح ودسر} كناية عن موصوف وهو السفينة فقد نابت الصفات مناب الموصوفات وأدّت مؤداها بحيث لا يفصل بينها وبينها، ونحوه قول أبي الطيب:
مفرشي صهوة الحصان ولكن ** قميصي مسرودة من حديد

أراد ولكن قميصي درع، وفي الآية لو جمعت بين السفينة وبين هذه الصفة أو بين الدرع وهذه الصفة لم يصحّ وهذا من فصيح الكلام وبديعه.
2- التكرير: وفي قوله: {فهل من مدّكر} تكرار وقد مرّ تعريفه، ونقول هنا أن فائدة التكرار أن يجددوا عند سماع كل نبأ اتعاظا، وسيأتي من أحكام التكرير العجب العجاب.
3- معنى الاستفهام: وفي قوله: {فكيف كان عذابي ونذر} الاستفهام هنا للسؤال عن الحال أي كان على كيفية هائلة لا يحيطها الوصف، والمعنى حمل المخاطبين على الإقرار بوقوع عذابه تعالى للمكذبين.

.[سورة القمر: الآيات 18- 22]:

{كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)}.

.اللغة:

{صَرْصَرًا} الصرصر: الريح الشديدة الهبوب حتى يسمع صوتها، وهو مضاعف صر، وتكرير الأحرف إشعار بتكرير العمل وقد تقدم بحثه ومثله كبّ وكبكب ونه ونهنه.
{أَعْجازُ نَخْلٍ} الأعجاز: جمع عجز وعجز كل شيء مؤخره ومنه العجز لأنه يؤدي إلى تأخر الأمور والنخل يذكّر ويؤنّث.
{مُنْقَعِرٍ}: منقلع من أصله لأن قعر الشيء قراره ومنه تقعر فلان في كلامه إذا تعمق فيه.

.الإعراب:

{كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ} {كذبت عاد} فعل ماض وفاعل وكيف كان عذابي ونذر تقدم إعرابها.
{إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ} إن واسمها وجملة {أرسلنا عليهم} خبرها والجملة مستأنفة مسوقة لبيان ما أجمل و{ريحا} مفعول {أرسلنا} و{صرصرا} نعت {ريحا} و{مستمر} نعت للنحس أو لليوم، وسيأتي الحديث عن يوم النحس في باب الفوائد.
{تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} الجملة صفة لريحا وكأن واسمها و{أعجاز نخل} خبرها و{منعقر} صفة لنخل والجملة حالية وهي حال مقدّرة وسيأتي المزيد عن هذا التشبيه في باب البلاغة.
{فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ} تقدم إعرابها.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} تقدم إعرابها قريبا فجدد به عهدا.

.البلاغة:

1- في قوله: {تنزع الناس} وضح الظاهر موضع المضمر وذلك لإفادة العموم أي إن النزع يعمّ الذكور والإناث جميعا وإلا فالأصل تنزعهم، قال مجاهد تلقى الرجل على رأسه فتفتت رأسه وعنقه وما يلي ذلك من بدنه. وقيل كانوا يصطفون آخذي بعضهم بأيدي بعض ويدخلون في الشعاب ويحفرون الحفر فيندسون فيها فتنزعهم وتدق رقابهم.
2- التشبيه: وفي قوله: {كأنهم أعجاز نخل منقعر} تشبيه مرسل تمثيلي، شبّههم بأعجاز النخل المنقعر إذ تساقطوا على الأرض أمواتا وهم جثث غطام طوال، وقيل كانت الريح تقطع رءوسهم فتبقى أجسادا بلا رءوس فأشبهت أعجاز النخل التي انقلعت من مغارسها.

.الفوائد:

يوم النحس: قال الزجّاج: قيل أنه كان في يوم الأربعاء في آخر الشهر لا تدور. ومن ثم شاع النحس عن يوم الأربعاء التي لا تدور، قال الشهاب في حاشيته على البيضاوي فإن الناس يتشاءمون بآخر أربعاء في كل شهر ويقولون له أربعاء لا يدور وتشاؤمهم به لا يستلزم شؤمه في نفسه. وسيأتي المزيد من هذا البحث في سورة الحاقة.

.[سورة القمر: الآيات 23- 32]:

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23) فَقالوا أَبَشَرًا مِنَّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (25) سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (26) إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (28) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (29) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (30) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (32)}.

.اللغة:

{سُعُرٍ} يجوز أن يكون مفرد أي جنون يقال ناقة مسعورة أي كالمجنونة في سيرها قال:
كأنّ بها سعرا إذا العيس هزّها ذميل وإرخاء من السير متعب يقول: كأن بناقتي جنونا لقوة سيرها فالعيس جمع عيساء وهي النوق البيض حركها ذميل وإرخاء وهما ضربان من السير متعب كل منهما، وإسناد الهز إليهما مجاز عقلي من باب الإسناد للسبب وإن أريد بالهز التسيير فيكون من الإسناد للمصدر كجد جده ويجوز أن يكون جمع سعير وهو النار.
{الْأَشِرُ} الشديد البطر والتكبّر فهي صيغة مبالغة وقيل انه صفة مشبهة كحذر ويقظ ووطف وعجز وفي المختار أشر وبطر من باب طرب أو فرح..
{مُحْتَضَرٌ} اسم مفعول من احتضر بمعنى حضر لأن الماء كان مقسوما بينهم لكل فريق يوم أي كل نصيب من الماء يحضره لا يحضر آخر معه ففي يوم الناقة تحضره الناقة وفي يومهم يحضرونه هم، وحضر واحتضر بمعنى واحد وإنما قال: {قسمة بينهم} تغليبا لمن يعقل والمعنى يوم لهم ويوم لها.
{فَتَعاطى} فتناول السيف وعقرها، وقد مرّ مدتها.
{الْمُحْتَظِرِ} بكسر الظاء اسم فاعل وهو الذي يتخذ حظيرة من الحطب وغيره والحظيرة الزريبة وفي المختار الحظيرة تعمل للإبل من شجر لتقيها البرد والريح والمحتظر بكسر الظاء الذي يعملها. والمعنى صاروا كيبس الشجر المفتت إذا تحطم والهشيم المتكسر المتفتت.

.الإعراب:

{كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ} فعل ماض وفاعل و{بالنذر} متعلقان بكذبت وقد تقدم أن النذر إما أن يكون مصدرا فيكون بمعنى الإنذار وإما أن يكون جمع نذير أي منذر.
{فَقالوا أَبَشَرًا مِنَّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} الفاء عاطفة وقالوا فعل ماض وفاعل، و{أبشرا} الهمزة للاستفهام وبشرا منصوب على الاشتغال أي بفعل مضمر يفسره ما بعده أي أنتبع بشرا و{منّا} صفة لبشرا و{واحدا} فيه وجهان أظهرهما أنه نعت لبشرا إلا أنه يشكل عليه تقديم الصفة المؤولة على الصفة الصريحة ويجاب بأن منّا حينئذ ليس وصفا بل حال من {واحدا} قدم عليه والوجه الثاني أنه نصب على الحال من الهاء في {نتبعه}، والبشر يقع على الواحد والجمع و{نتبعه} فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به وإن واسمها و{إذن} حرف جواب وجزاء مهملة و{لفي} اللام المزحلقة وفي ضلال متعلقان بمحذوف خبر إن {وسعر} معطوف على {ضلال}.
{أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ} الهمزة للاستفهام الإنكاري وألقي فعل ماض مبني للمجهول والذكر نائب فاعل و{عليه} متعلقان بألقي و{من بيننا} حال من الهاء في جعليه أي منفردا و{بل} حرف إضراب وعطف و{هو} مبتدأ و{كذاب} خبر و{أشر} نعت.
{سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} الجمل مقول قول محذوف تقديره قال تعالى والسين للاستقبال ويعلمون فعل وفاعل و{غدا} ظرف متعلق بيعلمون و{من} اسم استفهام في محل رفع مبتدأ و{الكذاب} خبره و{الأشر} صفة والجملة المعلقة لتصدّر الاستفهام بها سدّت مسدّ مفعولي يعلمون.
{إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ} إن واسمها و{مرسلو الناقة} خبرها والجملة مستأنفة لبيان الموعود به و{فتنة} مفعول لأجله أي اختبارا لهم والفاء الفصيحة وارتقبهم فعل أمر وفاعل مستتر ومفعول به {واصطبر} عطف على ارتقبهم، ومتعلق {واصطبر} محذوف أي واصطبر على أذاهم.
{وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} {ونبئهم} الواو عاطفة و{نبئهم} فعل أمر وفاعل مستتر تقديره أنت والهاء مفعول أول و{أن} وما في حيزها في موضع المفعول الثاني والثالث لأن نبّأ تنصب ثلاثة مفاعيل وأن واسمها و{قسمة} خبرها و{بينهم} ظرف متعلق بمحذوف صفة مقسمة أو بقسمة لأنها بمعنى مقسومة و{كل} مبتدأ و{شرب} مضاف إليه و{محتضر} خبر {كل} أي محضور لهم أو للناقة.
{فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ} الفاء عاطفة ونادوا فعل ماض وفاعل والمعطوف عليه محذوف أي فتمادوا على ذلك، والأحسن أن تكون الفصيحة أي فبقوا على ذلك مدة ثم ملّوا من نضوب الماء وجدب المراعي فأجمعوا على قتلها واتفقوا على الكمون لها حيث تمر وتطوع لهذا الأمر قدار بن سالف، وقد تقدمت قصته، فنادوه فتعاطى و{صاحبهم} مفعول به {فتعاطى} عطف على {فنادوا} أي فاجترأ على تعاطي هذا الأمر غير آبه له {فعقر} عطف على تعاطي.
{فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ} تقدم إعرابها قريبا.
{إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ} إن واسمها وجملة {أرسلنا} خبرها و{عليهم} متعلقان بأرسلنا وصيحة مفعول به وواحدة صفة، {فكانوا} عطف على {أرسلنا} والواو اسم كان والهشيم {المحتظر} خبرها وقرئ بالفتح على أنه اسم مكان وهو موضع الاحتظار أي الحظيرة.
{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} تقدم إعرابها قريبا.

.البلاغة:

1- في قوله: {سيعلمون غدا من الكذاب الأشر} فن الإبهام ليكون الوعيد أحفل بالانتقام والتهديد أشدّ أثرا في النفوس، وأورده مورد الإبهام وإن كانوا هم المعنيين لأنه أراد وقت الموت ولم يرد غدا بعينه وهو شائع في الشعر العربي، قال أبي الطماح: